-
الخلق والسقوط:-
-
فى بداية التكلم عن التجسد لأبد من التكلم
منذ بداية الخلق فلماذا خلق الله الانسان وعلى أى صورة خلقه؟
بداية خلق الله الانسان من العدم وأعطاه نعم
شتى فخلقه على صورته ففى سفر التكوين يخبرنا الوحى الالهى " وقال الله لنعمل
الانسان على صورتنا كشبهنا ( تكوين 1 – 26 )
ويعلق القديس باسيليوس الكبير على هذه الاية
فى العظة الاولى عن خلقة الانسان فيقول:
" بواسطة خلقتنا نحن نملك الصورة
وبواسطة اختيارنا الحر نكتسب الشبه فى تركيبنا الاول خلقنا على صورة الله
وبالاختيار الحر نتماثل مع ما هو حسب شبه الله وهذا هو ما يختص بالاختيار الحر ،
القدرة الكامنة فينا
وكان سبب الخلق الاساسى لسبب صلاح الله لا
لسبب قدرة الانسان فيقول القديس أثناسيوس :
" الله صالح بل بالأحرى هو مصدر الصلاح
، والصالح لا يمكن أن يبخل بأى شئ وهو لا يحسد أحدا على الوجود ، ولذلك خلق كل
الاشياء من العدم بكلمته يسوع المسيح ربنا" .. تجسد الكلمة 3 – 3
وفى كتابه ضد الوثنيين 41- 2 يقول:
" فلو فحصنا طبيعة المخلوقات نجد أنها –
كما هو معروف- قد خلقت من العدم ولهذا فهى هشة وضعيفة وفانية فى حد ذاتها . على أن
الله إله الكل طيب وكلى الصلاح بطبيعته ولهذا فهو محب للبشر والصالح لا يمكن أن
يحسد أحدا على الوجود. بل تمنى أن يوجد الجميع حتى تظهر فيهم محبته للبشر"
وأراد الله من البشر أن يختاروا الحياة فى
شركة معه لا ليطلب لنفسه شيئا ولكن لمحبته للبشر حتى انه فى اختيار الشبه تركه
للانسان ليأخذ الانسان كل تعظيم ويكون موضع الإعجاب فيقول القديس باسيليوس:
" وفى إعطائنا القدرة كى نكون حسب شبه
الله سمح لنا أن نكون الصناع الماهرين لشبه الله، حتى تصير جعالة هذا العمل من
نصيبنا. وهكذا ما كنا لنصير مثل الصور المرسومة بيد رسام مثل الاشياء التى لا حياة
فيها ، خشية أن يجلب شبهنا لله المديح لآخر . لأنه عندما ترى الصورة مطابقة تماما
للنموذج الاصلى فأنت لا تمدح الصورة ، ولكن تعجب بالرسام. هكذا إذن. من أجل أن
أكون أنا موضوع الاعجاب وليس أحد آخر . ترك لى الله أن اكون بحسب شبه الله"
-
ولأنه راى عدم قدرة الانسان أن يبقى دائما
على الحالة التى خلق فيها ، اعطاه نعمة إضافية، فلم يكتف بخلق البشر مثل باقى
الكائنات غير العاقلة على الارض، بل خلقهم على صورته ، وأعطاهم شركة فى قوة كلمته
حتى يستطيعوا وبطريقة ما ولهم بعض من ظل الكلمة وقد صاروا عقلاء، ن يبقوا فى سعادة
ويحيوا الحياة الحقيقية حياة القديسين فى الفردوس... تجسد الكلمة3 - 3
ولكثرة محبته للبشر أعطاهم الوصية ، لانه يعلم انهم يمكن أن يميلوا
فأمنهم بالوصية.فيقول القديس ثناسيوس الرسولى :
" ولكن لعلمه أيضا أن إرادة البشر يمكن
أن تميل إلى أحد الاتجاهين (الخير أو الشر) . سبق فأمن النعمة المعطاه لهم بوصية
ومكان ، فأدخلهم فى فردوسه وأعطاهم وصية حتى إذا حفظوا النعمة واستمروا صالحين
فإنهم سيعيشوا فى الفردوس بغير حزن ولا ألم ولا هم. تجسد الكمة 3- 4"
ولكنهم تعدوا الوصية فتعديهم للوصية أعادهم
إلى حالتهم الطبيعية حتى انهم كما وجدوا من العدم هكذا أيضا بالضرورة يلحقهم
الفناء بمرور الزمن.وبسبب كثرة تعدى البشر ساد الموت والفساد عليهم . وكانت
الخليقة آخذة فى التلاشى والرجوع إلى العدم ولكن هذا كان مستحيلا ان تزول خلقة
الله على الارض وكان ؟أيضا من غير اللائق أن يعيش الانسان فى عدم فساد بعد الخطية
لان هذا عكس ما تكلم به الله فكيف يتعدى الوصية ولا يفسد الأنسان ويموت . فاحتاج
البشر إلى مخلص يحول الفاسد إلى عدم فساد و أن يكون صورة الآب لان البشر منذ البدء
خلقوا من العدم على صورة الله وأن يكون فيه الحياة ليجعل المائت غير مائت..
فتطلب هذا الوضع إلى تجسد الكلمة لأنه هو
الحياة المضادة للموت وهو الصورة التى خلق عليها البشر (ظل الكلمة)
فلم يكن ممكنا أن يحول الفاسد إلى عدم فساد
إلا المخلص نفسه، الذى خلق كل شئ من العدم ولم يكن ممكنا أن يعيد خلق البشر
ليكونوا على صورة الله إلا الذى هو صورة الآب ولم يكن ممكنا أن يجعل الانسان
المائت غير مائت إلا ربنا يسوع المسيح الذى هو الحياة ذاتها..
فكان لا يمكن أن يعالج هذا الفساد و وصول الانسان إلى
غاية خلقته دون اتحاد كلمة الله بالبشرية واتخاذه جسدا.
فاتخذ كلمة الله جسدا واتحد به لتبدا الخطة
العلاجية لخلاص البشرية كلها...
ولم يكن سبب اتحاد الله بالبشرية لأجل الخلاص
والشفاء من الفساد والموت ، ولكن أراد الله أن يقتنى البشر الحياة داخلهم فالقديس
أثناسيوس الرسولى فى كتابه ضد الأريوسين يقول:
" فلو كان الله قال كلمة واحدة – بحسب
قدرته – وأبطل بها اللعنة. لظهرت حقا قدرة ذاك الذى أعطى الامر ، ولكن الانسان كان
سيظل كما كان حقا قبل المعصية نائلا النعمة من الخارج دون أن يقتنيها متحدة
بالجسد، فهكذا كان أدم لما وضع فى الفردوس، وبل ربما صارت حالته أسوا لأنه تعلم أن
يعصى، فلو كان فى هذه الحالة و أغوى مرة أخرى بواسطة الحية لصارت الحاجة مرة أخرى
إلى أن يأمر الله ويبطل اللعنة ، وهكذا تستمر الحاجة إلى ما لا نهاية، ولظل البشر
تحت الذنب مستعبدين للخطية ، يخطئون على الدوام ويحتاجون على الدوام لمن يعفو عنهم
ولما تحرروا بدا ، بل لبقوا جسديين ، كما كانوا مذلولين تحت الناموس بسبب ضعف
الجسد"
فكان المسيح هو آدم الثانى لنا فكان هو الجذر
الذى رجعت به البشرية متحدة بالله.
يقول القديس كيرلس الكبير:
" فنحن ترابيون بسبب آدم الذى من التراب
، وقد دخل فينا ناموس الخطية الموجود فى أعضائنا ، لكننا صرنا سماويين لأننا
أخذنا نعمة بواسطة المسيح لانه إله من إله ومن السماء نزل إلى خاصتنا بطريقة غير
مألوفة وغريبة ، أى بولادته جسديا بواسطة الروح القدس، وبذلك نظل مقدسين وغير
مائتين مثله ، هابطة النعمة علينا من بداية ثانية وجذر ثان." المسيح واحد –
القديس كيرلس الكبير
وباتخاذ ابن الله الوحيد جسدا حقيقيا أعطانا
نحن نعمة البنوة لله ، وكما يعبر الأباء بانه بانسانيته جعلنا نحن آلهة..
يقول القديس أثناسيوس
" لأن كلمة الله صار إنسانا لكى يؤلهنا
نحن ، واظهر نفسه فى الجسد لكى نحصل نحن على معرفة الآب غير المنظور".. تجسد
الكلمة 54- 3
فالمسيح هو بمثابة أخ بكر لنا كما يقول
القديس بولس الرسول فى رسالته إلى أهل رومية " لأن الذين سبق فعينهم ليكونوا
مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكرا بين إخوة كثيرين" رومية 8 -29
فانجمعت الطبيعة البشرية كلها فى المسيح
والانجماع الكى فى المسيح هو ان المسيح قد جمع البشرية كلها فى ذاته ، فهو اخذ
طبيعتنا كلها
يقول القديس ايرينيئوس فى كتابه ضد الهرطقات
وقد جمع الكل فى ذاته القريبين
والبعيدين" ضد الهرطقات 3: 5: 2
والقديس أثناسيوس يقول فى كتابه ضد
الأريوسيين 1: 41 :
" وهو نفسه يقدسنا نحن جميعا فى
ذاته"
والقديس كيرلس الكبير:
" وبالإجماع قد صرنا أقرباء لله الآب
بالجسد الذى فى سر المسيح " .. تفسير يوحنا القديس كيرلس الكبير .. من كتاب
قصد الدهور صــ73ـــــ
وبذلك وصلت الطبيعة البشرية إلى التأله – حسب
تعبير الاأباء – فنحن ولدنا فى المسيح بميلاده الجسدى وحل هو فينا بمولده ففى إنجيل يوحنا – طبقا لقطمارس
يوم 29 كيهك فى إنجيل باكر يقول " والكلمة صار جسدا وحل فينا "
ولوعى الكنيسة القبطية بأن مولد المسيح هو
مولدنا نحن نجد مزمور القداس هو آيات من المزمور الثانى :
الرب قال لي أنت
أبنى، وأنا اليوم ولدتك، سلني فأعطيك الأمم ميراثك، وسلطانك إلى أقطار الأرض. هلليلويا "
فأنا اليوم ولدتك أى انه صار مولودا من امرأة
لنصير نحن أبناء الله فولدنا الله فى المسيح وأرجعنا إلى حضنه مرة أخرى متحدين به
وبذلك بارك المسيح طبيعتنا الفاسدة وجعلها مقدسة كما نقول فى القداس الغريغورى
" وباركت طبيعتى فيك"
الله أحبنا .. أحبنا إلى المنتهى ، حتى أنه
أخلى ذاته ليعطينا نحن المجد وكما نقول فى تسبحة نصف الليل " أخذ الذى لنا
وأعطانا الذى له " .. فأخذ جهلنا ليعطينا معرفة الآب و أخذ الخوف ليجعلنا لا
نخاف الموت ، جعل من طبيعتنا الطبيعة التى اقتيدت إلى التأله.
ولكن كيف نستفيد روحيا من التجسد والتأله:-
نعمة المسيح الذى أخذناها فى التجسد جعلتنا
آلهة ولكن يجب أن نسير متشبهين بالله " فالمسيحية هى التشبه بالله بقدر ما
يتسنى للطبيعة البشرية".. القديس باسيليوس الكبير.
والتأله هو دعوة الله لنا أنا نحيا الحياة
بأقصى معنى لها...
وكيف نعيش التأله إذا؟ّ! يقول القديس
غريغوريوس النيسى:
" أن النفس التى قبلت المعرفة -معرفة الله- وقد غمرها نور الحقيقة ، أقتيدت إلى
التأله وإلى الخلاص من الفساد" .. القصد
الإلهى من خلق الانسان - القديس غريغوريوس النيسى
المراجع والمصادر:-
+ تجسد الكلمة..
القديس أثناسيوس الرسولى – المركز الارثوذكسى للدراسات الابائية بالقاهرة – ترجمة د.
جوزيف موريس فلتس
+ ضد الوثنيين..
القديس أثناسيوس الرسولى – المركز الارثوذكسى للدراسات الابائية بالقاهرة – ترجمة د.
جوزيف موريس فلتس
+القصد الالهى من
خلق الانسان.. القديس غريغوريوس النيسى - المركز الارثوذكسى للدراسات الابائية
بالقاهرة – ترجمة د. سعيد حكيم يعقوب
+ المسيح واحد .
القديس كيرلس الكبير .. د. جورج عوض إبراهيم
++خلقة الأنسان..
القديس باسيليوس الكبير – المركز الثقافى القبطى بالقاهرة – ترجمة القس.لوقا يوسف
+ قصد الدهور ..
مركز باناريون للتراث الابائى بإذن من المؤلف .. التمهيد د. عماد موريس كمال
+ قصة الحب العجيب
– أمجد بشارة .. دار رسالتنا للنشر
+ورثة مسيحك –
أمجد بشارة .. دار رسالتنا للنشر